بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعلم أن أول ما يجب على الإنسان معرفة ربه، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام. وأهمها وأغلاها معرفة ربه. وقد تعرف الله تعالى إلى خلقه بآياته وبمخلوقاته، ونصبها دلالة على قدرته وعلى كمال تصرفه، ولفت الأنظار إليها؛ حتى يعرفوا بالنظر وبالتأمل وبالتفكر أن هذه الآيات وهذه المخلوقات دالة على عظمة وقدرة من أوجدها. وكلها من خلق ربنا سبحانه وتعالى بإيجاده وتكوينه، وفيها آيات وعبرة تدل على عظمة مَنْ أوجدها.
فإذا تفكر المسلم بعقله وبفكره في أصغر مخلوقات الله تعالى رأى فيها عجائب، وآيات بينات باهرة، دالة على عظمة من أوجدها سبحانه وتعالى. فلو تفكر في خلق البعوضة التي هي من أصغر خلق الله تعالى، التي نشاهد، لوجد فيها الآيات والعجائب فإن هذه البعوضة مع صغرها تبصر، وعينها ما لا يكون مقدار العين، بصرها أقوى من بصر الإنسان، فإنها تبصر مسامَّ الإنسان، في جسد الإنسان وفي جلده منافذ رقيقة، وهي التي يخرج منها العرق، هذه المنافذ لا تبصرها أنت؛ حتى ولا باستعمال مكبر أو مجهر، فإنك لا تبصرها؛ ولكن هذه البعوضة تبصرها؛ ولأجل ذلك تقع عليها.
هذا دليل على أن الله تعالى أعطاها قوة بصر، كذلك أيضا أعطاها الله تعالى الآلة التي تخرق بها الجسد، شبيهة بخرطوم الفيل، آلة دقيقة محددة، تمدها لتخرق الجلد حتى تصل إلى الدم؛ لتمتص من الدم، هذه الآلة، هذا الخرطوم الدقيق المحدد فيه أيضا جوف مجوف، يدخل منه الدم الذي تمتصه إلى أن يصل إلى جوفها. لا شك أن هذا دليل على قدرة القادر سبحانه؛ حيث أعطاها خلقها كاملا، فلها جوف، ولها أمعاء، ولها أعضاء، ولها أمعاء يجري منها ذلك الطعام الذي تأكله والذي تتغذى به.
وكذلك أيضا من أصغر مخلوقات الله تعالى: هذه الذَّرَّة التي يضرب الله تعالى بها المثل في حقارتها وفي صغرها، دائما يمثل الله بها على الحقارة، كقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فالذرة: هذه الحيوان الصغير، الذي هو من أصغر مخلوقات الله تعالى، ركب الله له قوائم يمشي عليها، ولقوائمه مفاصل، ولها أيضا أصابع تتمسك بها، ولأجل ذلك تصعد في الحيطان، ولو كانت الحيطان ملساء -يعني صقيلة- تتمسك بها. وكذلك أيضا تتغذى، تأكل مما يسر الله تعالى لها وتتوالد، يعني: يكون لها أولاد، بيض تبيضه ثم بعد ذلك يفقس فيكون مثل الأربع الفصول، مع لها أيضا فهم، ولها إدراك، ولها معرفة. لاشك أن هذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى.
ذكر ابن القيم رحمه الله في بعض كتبه: أن رجلًا حكى أن ذرة من الذرات وجدت قطعة لحم صغيرة، فعجزت عن نقلها، ثم إنها ذهبت، وجاءت ومعها عدة من الذر -ثلاث أو أربع- لو اجتمعن على تلك القطعة لسحبنها وحملنها. لما رآهم قد أقبلن رفع تلك القطعة، فجئن ونظرن ولم يجدنها في الموضع الذي كانت تعهده فيه، ثم رَجَعْنَ وبَقِيَتِ الأولى، ولما بقيت جاء بتلك القطعة ووضعها، فلما وضعها ورأتها وشمتها حاولت أن تجرها فلم تقدر، فعند ذلك ذهبت وجاءت بذلك الذر الذي أخبرته من قبل، فلما أقبلن رفع تلك القطعة وأبعدها، فالتمسن ولم يجدنها، فرجعن وبقيت الأولى، ثم إنها لما بقيت وضع تلك القطعة لها، ولما وضعها وشمتها، ذهبت أيضا تريد أن يأتي معها من ينقلها، فلما رآهم وقد أقبلن رفعها، فلما جئن ولم يجدنها عمدن إلى تلك الذرة، فعضت كل واحدة منهن قائمة من قوائمها، وقطعنها أي أنها كلفتهن وأتعبتهن وكذبت عليهن!! فهذا دليل على أن الله ركب فيهن عقولا وأفهاما يناسب ما خلقن له، مع أن الله تعالى ما كلف هذه الدواب، وإنما خلقت آية وعبرة للمعتبرين. يعني: أن الله تعالى جعل هذه الدواب، وهذه الحشرات، وهذه المخلوقات الصغيرة آيةً وعبرةً للمعتبرين، أي: لمن يتفكر ممن أعطاهم الله تعالى العقل.
.. الإنسان فإن الله تعالى فضله بالعقل، حيث يتفكر ويتأمل ويتعقل ويعرف أن الذي أوجد هذه الموجودات قادر على كل شيء، وأنه سبحانه ما خلق هذه المخلوقات عبثا، ولم يتركها هملا، وأنها ما خلقت أنفسها، بل لا بد لها من خالق خلقها، سواء كانت من الحيوانات المتحركة، أو من النباتات النامية، أو من الجمادات، أن كلا منها دليل على قدرة من خلقها وأوجدها.
إذا تأمل فيها العاقل بعقله وبثاقب بصره، فإن الله تعالى يرزق في البصيرة ويعرف بذلك عظمة من أوجد هذه الموجودات. إذا كان ذا بصيرة في أمر الله تعالى وفي خلقه وقضائه وقدره.
وقد أخبر الله تعالى بأنه الذي خلق المخلوقات العلوية، فخلق السماوات، وأخبر بأنها سبع سَبْعًا شِدَادًا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا بعضها فوق بعض، في قوله تعالى: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا أي سبع مخلوقات بناهن الله تعالى، لا يعرف قدرهن إلا هو وحده، وصفهن بأنهن شداد، أي: أَحْكَمَ خَلْقَهُنَّ. كذلك أيضا وصفهن بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا أي طبقا فوق طبق؛ أي جعلها طباقا، بعضها فوق بعض. لاشك أيضا أن ذلك دليل على عظمة وقدرة من أوجدها.
وكذلك أيضا أخبر بأنه خلق لنا هذه الأرض، وأنه بسطها، وأمرنا بأن نتأمل ونتفكر فيها، لنأخذ من ذلك عبرة على عظمة من أوجدها وخلقها، إذا مشيت في الأرض كما أمرك الله في قوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا الذي يسير فيها يجد فيها عجائب تدل على عظمة الله سبحانه وتعالى. فإنك تسير مثلا في وقت من الأوقات في أرض صحراء ترابية مستوية، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم تنتقل بعد ذلك إلى أرض رملية أي: فيها كثب مرتفعة ومنخفضة، وتسير أحيانا بعدها وتجد أرضا غير مستوية، بل فيها مرتفعات كشبه جبال وإن لم تكن جبالا، وتسير أيضا في أرض أخرى، فتجد الأرض الجبلية التي فيها جبال متوسطة، أو الجبال الشاهقة المرتفعة. هذه لونها كذا وكذا، كما في قول الله تعالى: وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ أي: أنه جعلها آية، منها ما هو بيض، ومنها ما هو حمر، ومنها ما هو سود غرابيب، يعني: شديد سوادها. فجعلها الله تعالى عبرة وجعل فيها عظات آيات ومنافع، وأحيانا تكون تلك الجبال مع ارتفاعها مستقرا لكثير من الناس، فيسكنون في قمم الجبال، وقد يجدون فيها مستقرا فينبت فيها نبات يأكلون منه، ويرعون بهائمهم، فينبت فيها شيء من النباتات التي هي غذاء للإنسان، أو غذاء للحيوانات.
وقد يكون أيضا فيها مستقر للمياه مع ارتفاعها، يكون في أجواف تلك الجبال مستودعات للماء إذا نزل الماء حفظته، ثم يستخرجونه. كما توجد أيضا تلك المستودعات في الأرض في كثير من بقاع الأرض، أي جعل الله تعالى هذه الأرض فهي مجوفة، إذا جاء المطر امتلأت تلك المستودعات التي فيها، والتي في جوفها فامتلأت من هذا الماء، وربما إذا امتلأت ينبع فوق الأرض، ويجري عيونا، كما في قول الله تعالى: وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أي: فَجَّرَ الله تعالى لهم الأرض عيونا، وأنبع منها هذا الماء، أو جعله مستودَعا فيها، يستخرجونه بآلاتهم وأجهزتهم، يحتاج إليه للشرب أو لسقي الدواب، أو لسقي الأشجار، وما أشبه ذلك.
وهكذا أيضا إذا أنزل الماء، فإن هذه الأرض المستوية تنبت بأمر الله تعالى أنواعا من النباتات مع اختلافها، فمنها ما يكون طعاما وعلفا للإنسان، ومنها ما يكون علفا للطيور، ومنها ما يكون علفا للدواب وللوحوش وللحشرات وما أشبه ذلك. كلها جعل الله تعالى في هذه الأرض ما تستقر له، وما تعيش به. لا شك أن ذلك دليل على عظمة وقدرة الله تعالى على كل شيء.
كذلك أيضا: إذا نظرنا إلى هذه البحار التي تمتد على وجه الأرض، أي شيء يمدها! لماذا ما نضبت مع تتابع القرون عليها! ألوف السنين ما نضبت ولا قل ماؤها، ولا غارت بل مع تتابع القرون، وهي ثابتة مستقرة، ممتدة الأطراف لا يرى طرفها.
ثم إن الله تعالى علم الإنسان الأدوات والآلات التي يسير بها في البحر، فعلم الله نبيه نوحا صناعة آلة السفينة، التي هي من الأخشاب، والعادة أن الخشب لا يرسخ ولا يغوص في الماء، بل يطفو فوق الماء، لا يغوص فيه، فألهم الله تعالى نبيه نوحا فصنع سفينة كبيرة حمل فيها من آمن معه، وحمل فيها الدواب، وقال الله تعالى له: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ من كل الدواب، ومن كل الحشرات، ومن كل البهائم، حشرها الله تعالى له، فحمل من الأغنام مثلا، من البقر، من الإبل، من الحمر، من الخيل، من السباع، من الفيلة، وما أشبه ذلك. مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ؛ لأن الله حكم بأن ذلك الغرق يُغْرِقُ مَنْ على وجه الأرض، حتى البهائم التي ليس لها ذنب، ولكن قضى الله تعالى بإهلاكها، كما يهلكها إذا شاء.
فهذه السفن التي أول من صنعها نبي الله نوح آية من آيات الله، قال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ فيدخل في ذلك المراكب ..، تدخل في قوله: وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ فهي خلق الله تعالى وإيجاده. المراكب البحرية، والمراكب الجوية، والمراكب البرية كل ذلك من آيات الله سبحانه وتعالى.
جعل الله في هذه الأرض هذه المواد، التي تخلق منها هذه الأدوات. ومن حكمته أنه جعل الأرض رخاء قابلة للنبات، تنبت ما يحتاج إليه البشر. لو كانت الأرض صخرية أو لو كانت حتى من ذهب أو من فضة لا تنبت نباتا، لهلك مَنْ عليها: من أين يأكلون؟! الله جعلها قابلة للإنبات، وهذه من آيات الله تعالى؛ لأنك تدفن الحبة فيها، ثم تسقيها، فتنبت ويكون فيها هذا السنبل المتراكب حبا، مما يكون غذاء، ويكون فيها أيضا نباتات مختلفة، منها ما هو غذاء للإنسان، ومنها غذاء للبهائم إلى غير ذلك. لا شك أن هذا دليل على قدرة القادر أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، وإذا عرفنا أن الله سبحانه وتعالى نصب الأدلة التي تدل عباده على كمال قدرته وعلى أن لهم ربا قادرا على كل شيء، فإن أهل العقول وأهل المعرفة يذعنون لربهم، ويعترفون بأنه سبحانه على كل شيء قدير، وأنه هو المستحق للعبادة، وأن خَلْقَهُ الذين هم عبيد مملوكون له واجب عليهم أن يذعنوا بطاعته، وأن يسمعوا ويطيعوا، وأن يتقربوا إليه بالقربات، وأن يتبعوا شرعه، وأن يمتثلوا أمره، ويتركوا زجره، فإن ذلك حقه عليهم، بعد أن عرفوا أنفسهم، وعرفوا ربهم بآياته وبمخلوقاته وبمعجزاته، وعرفوا شرعه الذي أنزله على رسله، وضمَّنَه كتبه، فمن رزقهم الله تعالى فكرا وعقلا ثاقبا فإنهم يعترفون لربهم بفضله وإنعامه عليهم، ويحرصون على أن يدينوا لله تعالى بالعبودية.
يعترفون بأنهم عبيد مملوكون لله سبحانه، ثم يحرصون على أن يتقربوا إلى ربهم بكل ما يحب فعله منهم، بالعبادات التي كلفهم بها، فيفعلونها، وبترك المحرمات التي نهاهم عنها فيتركونها، وما أشبه ذلك. لا شك أن هذا كله هو واجب العباد، ولكن إنما يتذكر أولو الألباب، إنما ينتبه لذلك، ويعترف به أهل المعرفة، وأهل الفهم والإدراك، وأهل العقول الزاكية.
فأما مَنْ سُلِبُوا الفهم والإدراك، فإنهم لا يعتبرون، ولو رأوا كل آية! كما في قول الله تعالى وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا يعني: الذين حكم الله تعالى عليهم بأنهم محرومون، وقال الله تعالى: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ فهم يرون آيات الله، ويشاهدون مخلوقاته، ويرون فيها عجائب صنعه، ومع ذلك لا يعتبرون ولا يلتفتون إلى دلالاتها، فيكون ذلك سببا في حرمانهم من طاعة الله تعالى، وحرمانهم من ثوابه في دار كرامته، فيكونون أشبه بالبهائم التي لا عقول لها، فقد ضرب الله تعالى المثل لهم بهذه الحيوانات ونحوها، كما في قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ هكذا مَثَّلَ: الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا وهكذا أيضا الذين أنعم الله عليهم وأورثهم هذا الكتاب في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فالذين أورثهم هذا القرآن ولكنهم لم يعملوا به، يصدق عليهم هذا المثل، أنهم كمثل الحمار يحمل أسفارا !! لو أن حمارا من الحمر الأهلية التي تُرْكَبُ حُمِلَ عليه مثلا مائةُ كتاب، هل يستفيد؟ لا يستفيد ولا يدري ما حمل عليه ! وكذلك أيضا ضرب لهم مثلا أيضا بالحمُر، في قوله تعالى: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِين كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أي: أنهم يُوعظون ولا يتعظون، يعني: يهربون من المواعظ، ويهربون من أماكن الذكر، إذا سمعوا الذكر أعرضوا عنه، وإذا سمعوا موعظة هربوا منها.
ضرب الله مثلا لهم بالْحَمير إذا رأت الأسد، فإنها تهرب منه، سواء كانت حمرا وحشية يعني .. التي هي الوعول ونحوها أو حمرا أهلية، الأهلية التي هي الإنسية، كلها إذا رأت قسورة -الذي هو الأسد- هربت، فهذا مثل سوء لمن حرموا من معرفة ربهم، وحرموا من ذكره والاتعاظ والتذكر وحضور مجالس الذكر.
فالإنسان عليه أن يربأ بنفسه عن أن يكون شبيها بهذه البهائم التي لا حساب عليها، فلا يهرب من أماكن الذكر ونحوه بل يتأمل ويتفكر ويتعقل .. فيه.
وكذلك أيضا ضرب الله تعالى لهم مثلا في قوله تعالى وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ هكذا ذكر الله تعالى هذا المثل. النعيق: نعيق الراعي، ينعق بالغنم، هل الغنم تفهم؟ لا تفهم. ولكنها تسمع صوتا وتتبع ذلك الناعق. الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، سماعه من غير عقل.
لا شك أن الغنم والإبل ونحوها إذا نعق لها الراعي فإنها تتبعه، ولكن هل تفهم ما يقول؟ إنما مجرد الصوت تتبعه، ولا تفهم إذا قال لها: قفي، ولا إذا قال لها: اذهبي يمينا أو شمالا! لا تفهم ذلك؛ لأنها بهائم.
فهذا مثل الذين كفروا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً فإذا عرفنا أن الله تعالى نصب هذه الآيات والدلالات، فإنما ينتفع بها أهل العقول وأهل الفهم وأهل الذكاء الذين استعملوا عقولهم فيما ينفعهم. دون من صَدَّ بقلبه عن ذلك أو جعل علمه وعقله وتفكيره في أمور دنية.
منقول